DE

يوم للفخر والتقدم
تأملات في يوم الاستقلال الأردني

Jordan Independence Day

في الخامس والعشرين من أيار من كل عام، لا يحتفل الأردنيون بمجرد تاريخ على التقويم، بل يحيون مناسبة تحمل في طياتها لحظة مفصلية في التاريخ الحديث للمملكة — اليوم الذي نالت فيه الأردن استقلالها الكامل في عام 1946، وانتهى فيه الانتداب البريطاني. تحت قيادة جلالة الملك المؤسس عبد الله الأول، بدأت المملكة الأردنية الهاشمية المستقلة آنذاك ببناء هويتها على أسس من الكرامة والوحدة والطموح.

على مدى العقود التي تلت، تطورت المملكة عبر مراحل من التحديات والتغيّرات، دون أن تحيد عن قيمها. لم تكن المسيرة سهلة دومًا، فقد عرفت المنطقة محطات من التوتر وعدم الاستقرار، إلا أن الأردن ظل يُظهر قدرة فريدة على الصمود، وعلى التوازن بين الحفاظ على التقاليد والسعي نحو التقدم. وتجلّت هذه القوة في شعبه — في دفئهم، وثباتهم، وإيمانهم العميق بثقافة التعايش والانفتاح.

واليوم، وتحت قيادة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، تواصل المملكة التزامها بالإصلاح، والحوار، والتعاون السلمي — داخليًا وعلى مستوى الإقليم. لقد أصبح دور الأردن كصوت للاعتدال وملاذ آمن للمحتاجين سمة رئيسية في هويته الوطنية والدولية.

لكن، وبينما نرفع أعلامنا ونستحضر الماضي، يجدر بنا أن نتساءل:
ما معنى الاستقلال لنا اليوم؟
هل هو مجرد انتصار تاريخي نحتفل به، أم أنه حالة نعيشها في كل يوم، وفي كل خيار نتخذه؟

بالنسبة لكثير من الأردنيين، يمثل الاستقلال الحق في تخيّل مستقبل أفضل. إنه القدرة على التعبير بحرية، والمشاركة بفاعلية في الحياة العامة، ومساءلة السياسات، والتعبير عن الاختلاف بكرامة. الاستقلال هو الانتماء إلى وطن يُحسب فيه لكل صوت، وتسهم فيه النساء والرجال، والشباب وكبار السن، والمجتمعات الحضرية والريفية، في رسم ملامح مستقبله.

وهذا الروح — المتجذر في القيم الليبرالية كالحريّة، والتعددية، والمسؤولية المدنية — هو ما يدفع الأردن إلى الأمام.

Independence Day

Scenes from the streets of Amman on Independence Day

© Photo Credit: Gloria Al-Khalasa

ويحمل الشباب الأردني، على وجه الخصوص، هذا الوعد بأيديهم. فهم ليسوا فقط قادة الغد، بل هم صُنّاع التغيير في الحاضر. من خلال التعليم، والابتكار، والمشاركة المجتمعية، يحيون مبادئ الاستقلال — لا بترديد الشعارات، بل بتجسيد القيم التي تمثلها تلك الشعارات.

هل سنواصل بناء مجتمع يشعر فيه كل فرد بأنه مسموع ومُحترم؟
هل نستطيع أن نغرس ثقافة تُشجّع التفكير النقدي والحوار بدلاً من الخوف منهما؟
هل نحن مستعدون لنورّث الحرية لا كمجرد إرث، بل كممارسة يومية؟

هذه هي الأسئلة الجوهرية — تلك التي تصل بين أحلام عام 1946 وتحديات وآمال عام 2025.

وعلى امتداد هذه الرحلة، أسهمت العديد من المؤسسات والأفراد في دعم مسيرة التقدم. وعلى مدى أكثر من أربعين عامًا، وقفت مؤسسة فريدريش ناومان من أجل الحرية إلى جانب الأردنيين — من خلال شراكات مع المجتمعات المحلية، والمجتمع المدني، والشباب، دعمت المؤسسة مبادرات تُعزّز حقوق الإنسان، والقيم الديمقراطية، والتعليم الليبرالي.

لأن الاستقلال لا يقتصر على الماضي. بل يتعلّق بما نختار أن نفعله به اليوم — وكيف ننقله إلى الأجيال القادمة بروح من الالتزام، والشجاعة، واليقين.

وفيما نحتفل بهذه المحطة الوطنية العزيزة، فلنتذكّر أن الاستقلال الحقيقي لا يُورث فقط — بل يُعاش، ويُجدَّد، ويُحمى في كل جيل.