DE

عندما يلتقي اليورو بالدينار
ماذا تكشف الأسعار عن الحرية والحياة اليومية

What Prices Reveal About Freedom and Everyday Life

 

حين نتحدث عن الأسعار، فإننا عادةً نقصد الفواتير والميزانيات والعروض. لكن الأسعار تحكي قصة أعمق — قصة عن كيفية إدارة المجتمعات للحرية والمسؤولية والعدالة. سواء في برلين أو عمّان، فإن كل بطاقة سعر تعبّر عن مجموعة من الخيارات: حجم الضرائب، ومدى انفتاح الأسواق، ومدى تمكين المواطنين من اتخاذ قراراتهم بأنفسهم.

إن مقارنة ألمانيا بالأردن تكشف كيف تُشكِّل الأنظمة الاقتصادية المختلفة تفاصيل الحياة اليومية، وكيف تواجه كلا الدولتين تحديات مشتركة — من الحفاظ على استقرار الأسعار إلى ضمان أن تعمل المنافسة لصالح المستهلك.

تحديات مشتركة ضمن اقتصادين مختلفين

 

للوهلة الأولى، يبدو أن الاقتصادين لا يمكن مقارنتهما. فألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، تتميّز بقطاع صناعي ضخم، وأجور مرتفعة، وتنظيمات دقيقة. أما الأردن، وهو اقتصاد صغير ومفتوح في الشرق الأوسط، فيعتمد بشكل كبير على الاستيراد، ويضم شريحة شبابية واسعة أكثر حساسية لتقلّبات الأسعار.

ومع ذلك، يشترك البلدان في إنجاز واحد مهم عام 2025: الاستقرار السعري. فقد بلغ معدل التضخم في ألمانيا نحو 2.4% في سبتمبر 2025، وهو قريب من هدف البنك المركزي الأوروبي. أما في الأردن، فقد استقر معدل التضخم عند حوالي 1.9% للفترة نفسها، وفقاً للبنك المركزي الأردني. وبعد سنوات من تقلبات الأسعار عالمياً، حقق البلدان إنجازاً ثميناً: قابلية التنبؤ.

بالنسبة للمواطنين في كلا البلدين، لا يعني هذا مجرد أرقام؛ بل يعني القدرة على التخطيط بثقة — سواء للأسر أو الشركات أو الحكومات. فالاستقرار في الأسعار يعني الاستقرار في التطلعات، ويفتح المجال للتفكير في الغد كفرصة لا كعبء.

القصة الخفية وراء الضرائب والأسعار

 

عندما يقارن المستهلكون الأسعار بين الدول، يلاحظون غالباً الفروق في التكلفة، لكنهم نادراً ما يتأملون في السبب الضريبي الكامن خلفها.

في ألمانيا، تبلغ ضريبة القيمة المضافة 19%، مع نسبة مخفّضة 7% على السلع الأساسية مثل المواد الغذائية ووسائل النقل المحلية والكتب. يهدف هذا النظام إلى تحقيق التوازن بين العدالة والقدرة الشرائية مع الحفاظ على الإيرادات العامة.

أما في الأردن، فتُفرض ضريبة عامة على المبيعات بنسبة 16%، بالإضافة إلى ضرائب خاصة على سلع مثل الوقود والتبغ. هذه الضرائب تساهم في تمويل الخدمات العامة لكنها في الوقت نفسه ترفع تكاليف المعيشة، خصوصاً في اقتصاد يعتمد على الاستيراد.

ومن منظور ألماني، قد يبدو النظام الأردني أبسط لكنه أكثر عبئاً على ذوي الدخل المحدود، بينما يُظهر النموذج الألماني كيف يمكن للشفافية والاستقرار في السياسة الضريبية أن يعززا الكفاءة والعدالة في الوقت نفسه.

فالضرائب، في نهاية المطاف، ليست مجرد أدوات مالية، بل تعبير عن كيفية موازنة الحكومات بين الحرية الفردية والمسؤولية الجماعية.

الوقود: البوصلة التي يشعر بها الجميع

لا توجد سلعة تربط بين ألمانيا والأردن بوضوح مثل الوقود — ولا يوجد سعر يعبّر عن المزاج العام أكثر منه.

في أكتوبر 2025، حدّدت الحكومة الأردنية سعر بنزين 95 أوكتان عند 1.08 دينار للتر الواحد، وبنزين 90 أوكتان عند 0.855 دينار. وفي ألمانيا، بلغ متوسط سعر البنزين نحو 1.66 يورو للتر في الفترة نفسها. تعكس هذه الفوارق ليس فقط حجم السوق والاعتماد على الاستيراد، بل أيضاً اختلاف الأولويات في السياسة الاقتصادية: الضرائب البيئية في ألمانيا مقابل سياسة الأسعار المدعومة نسبياً في الأردن.

لكن القدرة الشرائية تختلف. فالعامل الألماني الذي يتقاضى الحد الأدنى للأجور البالغ 12.82 يورو في الساعة يمكنه ملء خزان سيارته البالغ 40 لتراً بعد نحو خمس ساعات عمل. بينما العامل الأردني الذي يتقاضى الحد الأدنى للأجور البالغ 290 ديناراً شهرياً يحتاج إلى عدة أيام عمل لتغطية نفس الكلفة.

هذا المثال يُظهر أن انخفاض الأسعار الاسمية لا يعني بالضرورة ارتفاع القدرة الشرائية — فالقيمة الحقيقية تُقاس بالدخل، لا بالأرقام المجردة.

دروس متبادلة من الجانبين

 

تُقدّم المقارنة دروساً مهمة لكل من عمان وبرلين.

في الأردن، يبرز النموذج الألماني أهمية الاستقرار التنظيمي والشفافية الضريبية. فعندما تكون السياسات واضحة ومعلنة مسبقاً، يشعر المستثمرون بثقة أكبر، ويطمئن المواطنون إلى أن الأسعار تعكس الواقع لا القرارات المفاجئة.

وفي ألمانيا، يذكّر النموذج الأردني بأن الاقتصادات الصغيرة والمنفتحة تحتاج إلى قدر أكبر من المرونة والانضباط المالي، لتتمكن من التكيّف مع الصدمات العالمية مع الحفاظ على التوازن الداخلي.

كلا البلدين يمكن أن يتعلّم من الآخر: فالتجربة الألمانية في التحول الطاقي تقدم نموذجاً للتخطيط طويل الأمد، بينما تُظهر التجربة الأردنية كيف يمكن للإدارة المالية الحذرة أن تحافظ على الاستقرار في بيئة مليئة بالتحديات.

المنظور الليبرالي: أسعار عادلة من خلال أسواق حرة

 

في الاقتصادات الليبرالية، الأسعار ليست أرقاماً فحسب — بل تعكس مدى انفتاح الأسواق، ومدى مسؤولية الحكومات في التدخل. وعندما تكون القوانين واضحة، والدعم موجهاً بدقة، يمكن للمواطنين أن يخططوا، وينافسوا، وينجحوا بشروطهم الخاصة.

وحين تكون المنافسة عادلة، والضرائب شفافة، والدعم الاجتماعي موجهاً لمن يحتاجه حقاً، يتمكّن الأفراد من اتخاذ قرارات واعية وتحمل نتائجها.

فالحرية الاقتصادية لا تعني أن تكون الأشياء رخيصة، بل أن تكون عادلة. ففي السوق الحرة، الأسعار لا تُفرض — بل تُثق. إنها تعكس الجهد والقيمة والابتكار، لا الامتياز أو الغموض.

تُظهر التجربتان الألمانية والأردنية أنه رغم اختلاف الأنظمة، تبقى مبادئ الحرية الاقتصادية واحدة: الانفتاح، والمساءلة، واحترام المبادرة الفردية.

ما وراء الأرقام

وراء كل الأرقام واقع مشترك: أسر تحاول تنظيم ميزانيتها، ورواد أعمال يخططون لمشروعاتهم، وشباب يدّخرون من أجل مستقبلهم. سواء كانت العملة يورو أم ديناراً، يبقى الهدف واحداً — الاستقرار، والفرص، والكرامة.

من خلال تبادل الخبرات، يمكن للبلدين أن يقتربا أكثر من بناء أسواق تُعزّز حرية الأفراد بدلاً من تقييدها، وحكومات تُوجّه الاقتصاد بدلاً من السيطرة عليه.

لأن كل سعر — من رغيف الخبز في برلين إلى لتر البنزين في عمّان — يكشف مدى حرية المجتمع الذي نعيش فيه.

المصادر

 

  • المكتب الفدرالي للإحصاء في ألمانيا (Destatis) – مؤشر أسعار المستهلك لشهر سبتمبر 2025.

  • البنك المركزي الأوروبي – تقارير التضخم والسياسة النقدية لعام 2025.

  • البنك المركزي الأردني – المؤشرات الاقتصادية الرئيسية لعام 2025.

  • دائرة الإحصاءات العامة الأردنية – تقارير التضخم لعام 2025.

  • وزارة المالية الألمانية – تفاصيل ضريبة القيمة المضافة (النسبة العامة 19% والمخفضة 7%).

  • وزارة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية – نشرة أسعار المحروقات لشهر أكتوبر 2025.

  • لجنة الحد الأدنى للأجور في ألمانيا – قرار الأجور لعام 2025 (12.82 يورو/ساعة).

  • وزارة العمل الأردنية – قرار الحد الأدنى للأجور لعام 2025 (290 ديناراً شهرياً).