ثلاثة أسابيع في مدرسة ناومن للسياسة
كيف تعلّم الشباب التفكير والسؤال والقيادة
حين انطلقت مدرسة ناومن للسياسة (NSOP) هذا العام، لم يأتِ المشاركون للجلوس في “برنامج تدريبي” تقليدي. جاءوا بدافع فضول حقيقي — فضول لفهم بلدهم، والعالم من حولهم، ودورهم فيه. وخلال ثلاثة عطلات أسبوعية مكثفة، تحوّل هذا الفضول إلى شيء أعمق: وضوح فكري، ثقة بالنفس، وشعور أكبر بالمسؤولية تجاه الحياة العامة.
صارت المدرسة مساحة حية للأفكار — ليس بوصفها شعارات، بل أدوات للفهم. وفي تلك المساحة، تعلّم المشاركون أن يختلفوا باحترام، وأن يناقشوا بعمق، وأن يروا السياسة ليس كضجيج، بل كنظام يؤثر على حياة الناس وكيفية اتخاذهم للقرارات.
العطلة الأولى — فهم الأفكار قبل الاختلاف حولها
لم يكن الهدف في الأسبوع الأول حفظ المصطلحات أو استرجاع التعريفات. كان السؤال المركزي:
ماذا تعني الحرية والمسؤولية وسيادة القانون عندما نزيل عنها الطابع الخطابي؟
انتقلت النقاشات بين الجذور التاريخية لليبرالية، وواقع المنطقة العربية اليوم، وكيف تتشكل العلاقة بين الفرد والدولة، ودور المجتمع المدني، ولماذا تختلف تجارب الليبرالية باختلاف السياقات.
أحد أكثر اللحظات قوة كان النقاش المفتوح حول إمكان تطبيق الليبرالية في السياق العربي — نقاش كشف تنوع الآراء داخل غرفة واحدة، وأظهر كيف يمكن للحوار الحقيقي أن يكشف الفروق الدقيقة بين المواقف.
مع نهاية العطلة الأولى، لم يعد المشاركون يفكرون بأسلوب أكاديمي جامد، بل كمواطنين — يدركون أن الحقوق والمسؤوليات لا قيمة لها إذا لم تُفهم بعمق.
العطلة الثانية — الإعلام، الرسائل، ومسؤولية التعبير
بعد بناء الأساس الفكري، انتقل المشاركون في الأسبوع الثاني إلى العالم الذي يشكّل السياسة يوميًا: الإعلام.
تعلّموا كيف تُبنى القصص، وكيف تُصاغ العناوين، ولماذا تنتشر بعض السرديات وتختفي أخرى. لم يدرسوا الصحافة من بعيد، بل فككوا مواد إعلامية، حلّلوا أسلوبها، ورأوا كيف تؤثر صياغة الجملة على رأي الجمهور.
ثم جاءت المرحلة الأكثر واقعية:
كيف تتحدث عندما لا تملك التحكم بالأسئلة؟
محاكاة المقابلات الصحفية دفعت المشاركين إلى مواجهة أسئلة صعبة، وإيجاد إجابات دقيقة، والحفاظ على الثبات تحت الضغط. تعلّموا أن الظهور الإعلامي ليس مجرد كلام — بل مسؤولية.
فالكلمات تصنع تصوّرات، والتصوّرات تؤثر على القرارات، والقرارات تغيّر حياة الناس.
العطلة الثالثة — رؤية السياسة من الداخل
في العطلة الأخيرة، اقترب المشاركون من قلب العمل السياسي: المؤسسات.
درسوا كيف يعمل مجلس الأمة، وكيف تُصاغ التشريعات، ولِمَ يحتاج العمل السياسي إلى التفاوض أكثر من المواجهة. كشفت تمارين بناء الائتلافات أن السياسة ليست تحقيق مكاسب كاملة، بل إيجاد مساحات مشتركة بين أطراف مختلفة.
وكانت نقطة التحوّل محاكاة تفاعل الحكومة مع البرلمان — حيث خاض المشاركون نقاشات، عدّلوا مقترحات، ودافعوا عن مواقفهم، ورأوا مدى تعقيد صناعة القرار.
اختُتمت العطلة بعروض حملات مناصرة سياسية يقودها الشباب، أظهرت التطور الذي مرّ به المشاركون: خطاب أوضح، أفكار أكثر تنظيماً، وقدرة أعلى على التعبير بثقة وموضوعية.
ماذا تغيّر بعد ثلاثة أسابيع؟
لم تكن مدرسة ناومن للسياسة تهدف إلى إنتاج سياسيين جاهزين، بل أشخاص يفهمون السياسة — لا كمشاهدين، بل كأفراد يمتلكون دورًا فيها.
خرج المشاركون بـ:
-
فهم أعمق للقيم الليبرالية وأهميتها اليوم
-
قدرة نقدية أعلى في تحليل الشأن السياسي المحلي والعالمي
-
مهارات تواصل عملية لمواجهة الإعلام والجمهور
-
تصور واضح لكيف تعمل المؤسسات وكيف يُصنع القانون
-
وثقة أكبر في التعبير والمشاركة في الحياة العامة
كان التغيير الحقيقي في طريقة التفكير: المزيد من الفضول، المزيد من الدقة، المزيد من الوعي، والمزيد من الإحساس بأن لهم دورًا في تشكيل المستقبل.
مدرسة ناومن لم تمنحهم إجابات جاهزة — لكنها منحتهم الأدوات للبحث عن إجابات أفضل.