الأردن
حيث يبني الحوار الحرية في منطقة منقسمة
في منطقة مثقلة بالنزاعات والانقسامات والخطابات الاستقطابية، يواصل الأردن تميّزه كمساحة تُمارَس فيها قيم الحوار والانفتاح والدبلوماسية الشاملة ليس كأفكار نظرية، بل كأدوات عملية لتحقيق الاستقرار والحرية. فمن استضافة مفاوضات السلام إلى تنسيق العمل الإقليمي، يوظّف الأردن موقعه الاستراتيجي وتقاليده الدبلوماسية لتعزيز القيم الليبرالية في الشرق الأوسط.
استضافة اللاجئين بكرامة: من الأزمة إلى الشراكة
يُعدّ الأردن واحداً من أكبر الدول المضيفة للاجئين قياساً بعدد السكان. وحتى منتصف عام 2025، سُجّل أكثر من 586,600 لاجئ لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR). الغالبية العظمى من اللاجئين من سوريا، فيما جاء آخرون من العراق واليمن والسودان والصومال. ويعيش نحو 81% منهم في المدن أو خارج المخيمات.
لم يتعامل الأردن مع اللجوء بوصفه أزمة طارئة فقط، بل اتخذ خطوات نحو الاندماج والمشاركة وبناء القدرة على الصمود على المدى الطويل. إذ تركز استراتيجية المفوضية في الأردن (2023-2025) على إدماج اللاجئين في الخدمات الوطنية (الصحة والتعليم)، وتعزيز الاعتماد على الذات، وتوسيع نطاق الحصول على الوثائق، ودمج احتياجات اللاجئين في التخطيط التنموي.
هذه السياسات تجسّد القيم الليبرالية الجوهرية: كرامة الفرد، تكافؤ الفرص، وبناء مجتمعات ديمقراطية يكون فيها المهجّرون جزءاً من الحوار لا على هامشه.
منصة للحوار الإقليمي والوساطة
إلى جانب سياساته الداخلية تجاه اللاجئين، يبرز الأردن كمساحة محايدة للدبلوماسية الإقليمية وحوار المجتمع المدني. ومن الأمثلة الحديثة:
-
قمة التحوّل السوري (2025): استضاف الأردن اجتماعاً ضم وزراء خارجية ورؤساء أجهزة دفاع واستخبارات من تركيا وسوريا والعراق ولبنان، لبحث التعافي السوري والأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب وضبط الحدود.
-
المنتدى الدولي لليمن (عمّان، شباط/فبراير 2025): مؤتمر سلام تقوده منظمات المجتمع المدني جمع أطرافاً يمنية وجهات دولية لبحث الحلول السياسية والاعتبارات الإنسانية وتعزيز المشاركة المتعددة الأطراف في مسار السلام.
-
شبكة الوساطة من الداخل: أطلق الأردن مبادرة إقليمية جديدة بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتعزيز قدرات الوساطة المحلية في الدول العربية.
بهذه الجهود لا يقتصر دور الأردن على الاستضافة، بل يتجاوزها ليكون منصة تجمع الحكومات والمجتمع المدني والمجتمعات النازحة والجيران الإقليميين، بما يوسع مساحة التعددية والحوار والتفاوض بديلاً عن الانفراد أو الصراع.
القيم الليبرالية في الممارسة
تتوافق هذه الأدوار مع جوهر رسالة فريدريش ناومان من أجل الحرية:
-
حرية التعبير والشمول: عبر استضافة منصات تُسمع فيها أصوات متعددة – حكومات، مجتمع مدني، لاجئون – يكرّس الأردن نهج الشمولية لا الإقصاء.
-
التعددية والانفتاح: جمع فاعلين متنوعين – دول ذات مصالح متباينة، منظمات غير حكومية، ومجتمعات نازحة – يثبت أن الاستقرار لا يتحقق بإسكات الخلاف بل بإدارته بشكل بنّاء.
-
المسؤولية والتضامن: يعكس الأردن القيم الليبرالية التي تثمّن المسؤولية تجاه الآخرين من خلال الجمع بين التعاطف الإنساني والإصلاحات الهيكلية والسياساتية.
-
السلام عبر الحوار: بدلاً من اللجوء إلى القوة أو الانعزال، يواصل الأردن الاستثمار في الدبلوماسية والوساطة والوقاية من النزاعات، وهو نهج طويل الأمد يجعل من الحوار أداة للحرية.
التحديات وآفاق المستقبل
بطبيعة الحال، فإن كون الأردن مركزاً إقليمياً للحوار ليس بالأمر السهل.
-
ضغوط الموارد: استضافة أعداد كبيرة من اللاجئين يرهق البنية التحتية والخدمات العامة والموارد المالية، مع خطر أن تؤدي الأزمات الاقتصادية إلى تقويض التماسك الاجتماعي.
-
التوترات السياسية: تنوع الأصوات قد يولّد توترات بين المجتمعات المضيفة واللاجئين، وبين الدول ذات السياسات المتباينة، إضافة إلى تنازع السرديات حول العدالة والسيادة.
-
خطر الحوارات الشكلية: ليست كل المنتديات قادرة على إحداث تغيير فعلي، فالحوار من دون متابعة ملموسة أو تقاسم حقيقي للسلطة قد يبقى رمزياً أكثر من كونه تحويلياً.
-
إرهاق المانحين: رغم تزايد الاعتراف الدولي بعبء استضافة اللاجئين، إلا أن الدعم الخارجي لا يزال متفاوتاً، مما يجعل استمرار المساندة الدولية أمراً حاسماً.
خاتمة: الحوار أساس الحرية
في عصر تتحدّى فيه الاستقطابات والاستبداد والأزمات المجتمعات في الشرق الأوسط، تبرز أهمية التزام الأردن بأن يكون أرضاً للحوار. فهو يبرهن أن القيم الليبرالية – الشمول، الانفتاح، احترام التعددية، والتعاون – ليست مجرد مبادئ نظرية، بل يمكن أن تكون أدوات استراتيجية ومغيّرة للاستقرار.
بالنسبة لمؤسسات مثل فريدريش ناومان من أجل الحرية في الأردن، فإن هذه التطورات تمثل أرضية خصبة:
-
تعزيز مشاركة الشباب واللاجئين والمجتمع المدني في الحوارات الإقليمية.
-
الدفع نحو إصلاحات مؤسساتية تحول الحوار إلى تقاسم فعلي للسلطة.
-
دعم المبادرات المحلية التي تبني الجسور – من التعايش الديني إلى التبادل الثقافي والتعليمي عبر الحدود، وصولاً إلى محو الأمية الإعلامية لمواجهة الاستقطاب.
إن دور الأردن كمنصة دبلوماسية لا يقتصر على استضافة المحادثات، بل يتعداها ليقدّم نموذجاً لطريق نحو الحرية في منطقة منقسمة. وهذه قصة واعدة تستحق أن تُروى وأن تتعزز.