القيادة النسائية وتكافؤ الفرص في الأردن
نحو الحرية والشمولية
في الأردن، تتجسد قصة القيادة النسائية في إرادةٍ صلبة، وصبرٍ متواصل، وتحولاتٍ تدريجية نحو واقع أكثر عدلاً. فمن قبة البرلمان إلى المبادرات المجتمعية، تثبت النساء حضورهن المتنامي في صياغة مستقبل مجتمعهن. وهذه المسيرة تعبّر عن قيم ليبرالية أصيلة: المساواة، حرية الاختيار، والشمولية؛ وهي قيم لا تُعد مجرد طموحات، بل ركائز أساسية للتطور الديمقراطي في الأردن.
الصوت السياسي والتمثيل
شهدت الأعوام الأخيرة خطوات مهمة في مشاركة المرأة السياسية. فقد ساهمت الإصلاحات القانونية ونظام الكوتا في تمكين النساء من الوصول إلى البرلمان، حيث بلغت نسبة التمثيل النسائي قرابة 20% في انتخابات عام 2024 (بحسب هيئة الأمم المتحدة للمرأة). غير أن الأرقام وحدها لا تروي القصة كاملة؛ إذ إن حضور النساء في مواقع صنع القرار بدأ يغيّر طبيعة الخطاب السياسي، ويُبرز قضايا العدالة الاجتماعية والتعليم والمساواة إلى الواجهة. إن قيادتهن لا تعزز الديمقراطية فحسب، بل تمنح الأجيال الشابة نماذج نسائية ملهمة للاقتداء.
التمكين الاقتصادي والتحديات
رغم أن النساء الأردنيات يتمتعن بمستويات تعليمية مرتفعة، إلا أن مشاركتهن في سوق العمل ما تزال من بين الأدنى عالمياً، إذ لا تتجاوز 14% (البنك الدولي). وتشير الدراسات إلى عوائق هيكلية مثل فجوة الأجور، والقيود القانونية، والتوقعات الاجتماعية، التي تحدّ من وصول المرأة إلى الفرص. إن سدّ هذه الفجوة ليس مسألة عدالة فحسب، بل ضرورة اقتصادية أيضاً، إذ يقدّر البنك الدولي أن المشاركة المتكافئة للنساء يمكن أن ترفع الناتج المحلي الإجمالي بشكل ملحوظ.
وقد شكّلت الإصلاحات الأخيرة، التي سهّلت إجراءات تسجيل الأعمال ورفعت بعض القيود المرتبطة بالنوع الاجتماعي، خطوات إيجابية نحو الأمام. فعندما تحصل النساء على فرص متكافئة في ريادة الأعمال والعمل، يمارسن حقهن في الحرية الاقتصادية ويسهمن في ازدهار المجتمع بأسره.
المجتمع المدني والتغيير الاجتماعي
إلى جانب السياسة والاقتصاد، تلعب النساء في الأردن دوراً محورياً في المجتمع المدني. فهنّ يتصدرن المبادرات المدافعة عن حقوق الإنسان، ويقدمن الدعم المجتمعي، ويطالبن بإصلاحات قانونية تتعلق بالعنف الأسري والحماية المتساوية أمام القانون. وتشير الأبحاث حول الحركات النسوية في الأردن إلى أن الجماعات النسائية تبقى قوة دافعة للتغيير، حتى في ظل تقلص المساحات المدنية.
إن هذه الجهود تؤكد حقيقة أوسع: أن الشمولية لا تتحقق عبر التشريعات وحدها، بل من خلال التحولات المجتمعية. فعندما تُمنح النساء الحرية في التنظيم والتعبير والمشاركة في صياغة الأجندة العامة، فإنهن يُعززن النسيج الديمقراطي للأردن.
الحرية والشمولية كدعائم أساسية
في جوهرها، تتجاوز القيادة النسائية في الأردن مجرد التمثيل، لتتعلق بالحرية: حرية اختيار المسار المهني، وحرية المشاركة السياسية، وحرية التعبير عن الأفكار بلا قيود أو تمييز. فالمساواة وتكافؤ الفرص ليست إضافات ثانوية للمجتمع، بل شروط أساسية لبناء أردن حرّ، شامل، ومتطلع إلى المستقبل.
خاتمة
يقف الأردن اليوم أمام لحظة حاسمة. فقد أثبتت إنجازات السنوات الأخيرة أن مشاركة المرأة تُثري النقاش السياسي، وتُقوي الاقتصاد، وتُنعش الحياة المدنية. لكن التحديات ما تزال قائمة: العوائق الثقافية، ضعف تكافؤ الفرص، والتمثيل المحدود في مواقع القيادة.
إن الطريق إلى الأمام يتطلب التمسك بقيم المساواة والحرية، ليس في النصوص القانونية فحسب، بل في الممارسة اليومية. ومن خلال تبنّي القيادة النسائية بشكل كامل، يستطيع الأردن أن يقترب أكثر من بناء مجتمع تتحقق فيه الشمولية لا كطموح، بل كواقع ملموس.