من المبادرة إلى الفعل
كيف يبني العمل التطوعي المواطنة الفاعلة
عندما نسمع كلمة "تطوع"، قد يتبادر إلى أذهاننا غرس الأشجار، أو فرز الملابس، أو تخصيص بضع ساعات لدعم فعالية محلية. لكن في الأردن وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يحمل العمل التطوعي معنى أوسع بكثير؛ فهو يعد مدخلاً أساسياً للمشاركة المدنية، وخاصة للشباب.
التطوع بوصفه مشاركة مدنية
غالباً ما يُنظر إلى العمل التطوعي على أنه عمل خيري بحت، لكنه في جوهره مساحة للتعلم، حيث يلتقي التعاطف مع الإحساس بالمسؤولية المدنية. فقد أثبتت الدراسات أن الانخراط الفعّال في المبادرات المجتمعية يساعد الأفراد على فهم آليات عمل المجتمع ويمنحهم القدرة على الإسهام في تشكيله. ومن خلال هذه التجارب، ينتقل الشخص من موقع المراقب إلى موقع المشارك الفاعل.
التطوع مدخل لطيف إلى الحياة السياسية
تشير الأرقام الرسمية إلى أن المؤسسات السياسية قد تبدو بعيدة عن متناول العديد من الشباب الأردني. فكلمة "سياسة" قد ترتبط لديهم بمؤسسات مغلقة أو يواجهونها بشيء من الريبة. غير أن العمل التطوعي يتيح للشباب وسائل مباشرة وملموسة للتأثير والمشاركة، عبر أنشطة عملية تعزز مهارات التنظيم، والتعاون، والوعي الاجتماعي، دون أن تُشعرهم بالانخراط في السياسة بمعناها التقليدي.
عزوف الشباب عن السياسة بالأرقام
توضح الدراسات حجم الفجوة:
-
تشير بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (2019–2020) إلى أن 52% من الشباب في الأردن لا يهتمون بالسياسة، وهي نسبة تفوق بكثير متوسط 24% في دول المنظمة.
-
بيانات "الباروميتر العربي" تكشف أن 64% من الأردنيين غير منتمين لأي حزب سياسي، وأن 51% يرون أنه لا يوجد حزب يمثلهم.
-
دراسة محلية نُشرت في "جوردان نيوز" أفادت بأن 60% من الأردنيين لا يهتمون بالسياسة إطلاقاً، وأن نحو 99% من طلاب الجامعات ليسوا أعضاء في أي حزب سياسي.
هذه المؤشرات تعزز أهمية العمل التطوعي كأحد أشكال التعبير المدني العملي.
روابط بين الأجيال من خلال الخدمة
يجمع العمل التطوعي أفراد المجتمع بمختلف أعمارهم. فعندما يشارك الشباب في برامج لدعم اللاجئين أو فعاليات مجتمعية، فإنهم يعملون جنباً إلى جنب مع متطوعين أكبر سناً، مما يخلق جسوراً للتفاهم ويعزز فكرة أن المواطنة مسؤولية جماعية وعمل مشترك بين الأجيال.
دور مؤسسة فريدريش ناومان ومكتب اللاجئين في الأردن
ترى مؤسسة فريدريش ناومان من أجل الحرية أن العمل التطوعي يجسد القيم الليبرالية، مثل المبادرة الفردية، والمسؤولية المجتمعية، والعمل البنّاء. ويعتمد "مكتب اللاجئين" في الأردن، على سبيل المثال، على المتطوعين لدعم الحرفيين اللاجئين، والمساعدة في تنظيم الفعاليات، وربط المجتمعات بفرص اقتصادية واجتماعية جديدة. وهذه ليست أعمالاً ثانوية، بل هي جوهر تجسيد الحرية على أرض الواقع.
أثر العمل التطوعي في دعم اللاجئين
مع وجود أكثر من 1.3 مليون لاجئ في الأردن، تشكل المبادرات التطوعية فارقاً ملموساً. فكثير من برامج دعم اللاجئين تعتمد على المتطوعين لمساعدة الآلاف في المخيمات والمناطق الحضرية، وهو ما يجسد التلاقي بين العمل المدني والتضامن الاجتماعي.
خاتمة
قد يبدو العمل التطوعي نشاطاً متواضعاً—بضع ساعات في يوم عطلة أو نهاية أسبوع—لكن تراكم هذه الجهود بمرور الوقت يخلق عادة المشاركة، ويعزز الثقة، ويقدم نموذجاً ملموساً للمواطنة الفاعلة.
باختصار، المتطوعون لا يؤدون أعمالاً نافعة فحسب، بل يسهمون في رسم ملامح مفهوم المواطنة المسؤولة في المجتمع.